ج ١٤، ص : ٧٩٣
رسالة السيد المسيح من دعوة كريمة إلى الإخاء والبر والتسامح، فمن آمن بالمسيح واتبعه وأخذ بتعاليمه كان على تلك الصفات من الرأفة والرحمة.
وقوله تعالى :« وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها » أي وجعلوا هم رهبانية ابتدعوها..
وفى وصف الرهبانية بأنها مبتدعة، إشارة إلى أنها مما فرضه أتباع المسيح على أنفسهم، وألزموها إياها، وأنها لم تكن مما فرضه اللّه عليهم.. فهم الذين ابتدعوا هذه الرهبنة تقربا إلى اللّه بالزهد فى متاع الحياة الدنيا، والاستخفاف بمطالب النفس، من هذا المتاع الزائل..
وقوله تعالى :« ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ » هو وصف آخر لهذه الرهبانية، وأنها لم تكن مما كتب اللّه على أتباع المسيح، وما شرع لهم من شريعة..
وقوله تعالى :« إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ ».
. إلا هنا ملغاة، بمعنى لكن أي ولكن ابتدعوها هم ابتغاء رضوان اللّه، وطلبا لمزيد من الثواب عنده.
ويجوز أن تكون « إلا » استثناء عاملا، بمعنى أننا « ما كتبناها عليهم » أي ما قبلناها منهم، وما رضيناها لهم، بعد أن جعلوها قربة للّه، ونذرا ألزموا أنفسهم به، إلا لتكون خالصة لوجه اللّه، قائمة على طريق العدل والإحسان..
فهذا هو الوصف الذي يقبلها اللّه عليه منهم، فإن هم أقاموها على هذا الوجه كانت عملا مبرورا، يقبله اللّه منهم، ويجزيهم عليه أحسن الجزاء..
وقوله تعالى :« فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها » ـ أي فما رعى القوم هذه القربة حق رعايتها، وما أقاموها على وجهها المرضى منها.. وذلك فى الأعم الأغلب منهم، وإن كان بعضهم قد وفّاها حقها، ورعاها حق رعايتها، كما يشير إلى