ج ١٤، ص : ٨٣٦
المفسرون يكادون يكونون على إجماع بأن هذه الآية ناسخة للآية التي قبلها.. بمعنى أن تقديم الصدقة من المؤمن الذي يودّ مناجاة الرسول، قبل أن يدخل فى مناجاته، والذي دعت إليه الآية السابقة ـ قد جاءت هذه الآية ناسخا له، تخفيفا على الذين يودون مناجاة النبي.
ويقولون لتعليل هذا النسخ، إنه لما نزل قوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ».
. شقّ ذلك على كثير من المؤمنين، وضنّ كثير من الأغنياء بأموالهم أن يخرجوا منها صدقة عند مناجاة الرسول، وبهذا قلّت تلك الأعداد الكثيرة التي كانت تسعى إلى مناجاة النبي، فنزلت الآية :« أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ » فنسخت الآية التي قبلها، وأبيح للمؤمنين مناجاة الرسول من غير صدقة يقدمونها بين يدى نجواهم!! ونحن على رأينا من أنه لا نسخ فى القرآن، وأنه لا نسخ فى هذه الآية بالذات.. وذلك من وجوه.
أولا : أن الصدقة التي دعى المؤمنون إلى تقديمها بين يدى نجواهم غير محددة المقدار، ومن هنا كانت أىّ صدقة يقدمها المؤمن فى هذا المقام مجزية له، ولو كانت شقّ تمرة.. وإذن فليس فى هذه الصدقة ما يشق على المؤمنين، حتى يجىء الأمر بنسخ تقديم هذه الصدقة.
وثانيا : ليس ما جاءت به الآية من الأمر بتقديم الصدقة ـ واللّه أعلم ـ أمرا ملزما، يقع موقع الوجوب، بل هو أمر للندب والاستحباب، ولذلك علّل له بقوله تعالى :« ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ».
. ثم جاءت المجاوزة عنه عند عدم وجود الصدقة :« فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ».