ج ١٤، ص : ٨٧٥
من جلال وقدرة، وأنه على خوف من جلال اللّه وقدرته، ولكنه ـ وقد غلبت عليه شقوته، وأعماه حسده لأبناء آدم وعداوته لهم ـ ذهل عن هذا، فى سبيل الانتقام لنفسه، وما يحمل للإنسان من عداوة وحسد، لما كان من تكريم اللّه لآدم، وأمر الملائكة بالسجود له، واستعلاء إبليس واستكباره عن أن يكون من الساجدين، فلعنه اللّه وطرده من عالم الملائكة.. فخرج بهذه اللعنة، وهو على عزيمة بأن ينتقم من آدم ومن ذريته، ولو كان فى ذلك هلاكه!! وكم من الناس من يعلم الحق ويأخذ نفسه بخلافه، ويعرف الطريق القويم، ويسلك المعوج ؟. وهل كان موقف المشركين من النبي إلا عن حسد وكبر واستعلاء ؟ إنهم كانوا يعرفون صدق النبي، ومع هذا فقد بهتوه، وكذبوه، وأبوا أن يقبلوا هذا النور الذي بين يديه، وآثروا أن يعيشوا بما هم فيه من عمى وضلال.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ».
(٣٣ : الأنعام) وفى هذا التشبيه، يمثل المنافقون دور الشيطان، فهم يعرفون طريق الحق ويتجنبونه، وهم يزينون الشر لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب، ويدعونهم إلى المحادة للّه ولرسوله، ويشدون ظهرهم فى كيدهم للنبى وخلافهم له..
حتى إذا وقعت الواقعة بهم، نظر إليهم هؤلاء المنافقون نظر الشيطان إلى صاحبه الذي استجاب له، وأروهم أنهم لا يستطيعون أن يخفّوا إلى نجدتهم، وأنهم يخافون النبي والمسلمين، كما يخاف الشيطان اللّه رب العالمين.. وهنا نذكر قول اللّه للمؤمنين عن المنافقين :« لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ».
ففى هذا التشبيه ثلاثة أطراف.. الشيطان، والإنسان الذي أضله الشيطان، واللّه، الذي يخافه الشيطان..
وفى مقابل هذه الأطراف : المنافقون، وإخوانهم اليهود، والنبي وأصحابه الذين يخافهم المنافقون..