ج ١٤، ص : ٨٩١
وقد كشف اللّه سبحانه للمؤمنين عن وجه هؤلاء المشركين، وأنهم أعداء اللّه وأعداء الذين آمنوا.. فمن كان مؤمنا باللّه حقّا كان على ولاء للّه وللمؤمنين به، الأمر الذي لا يتفق معه الولاء والمودة لأعداء اللّه وأعداء المؤمنين..
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ » فإن من يتصف بالإيمان، لا تبقى له هذه الصفة، إذا هو كان على ولاء ومودة، لمن كان عدوّا للّه وعدوا للمؤمنين، أولياء اللّه..
وقوله تعالى :« تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » هو جملة حال من فاعل الفعل :
« لا تَتَّخِذُوا » أو هو صفة لأولياء..
والإلقاء بالمودة، بذلها فى صورة رسائل، أو هدايا، أو عواطف من الحب والود، مع بعد الشقة النفيسة، التي ينبغى أن تكون بين المؤمنين باللّه والكافرين به، أو بعد الشقة المكانية حيث المؤمنون فى المدينة، والمشركون فى مكة.. ولهذا عدّى الفعل بالياء، لتصمنه معنى تبعثون إليهم بالمودة، مع إفادته معنى السر والخفاء حيث تلقى إليهم المودة فى كلا الحالين فيتلقفونها من غير أن يراها أحد.
وقوله تعالى :« وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ » أي أنكم تلقون إلى عدوّ اللّه وعدوكم بالمودة، فى حال قد كفر فيها هذا العدو بما جاءكم من الحق، الذي نزل به القرآن الكريم، وتلاه عليكم رسول اللّه.. بل ليس هذا فحسب، إنهم « يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ » أي مع كفرهم بالحق الذي آمنتم به ـ وهذا وحده كاف لقطع كل ولاء بينكم وبينهم، فإنهم ـ مع هذا ـ يخرجون الرسول، ويخرجونكم من دياركم وأهليكم لا لجناية جناها الرسول أو جنيتموها أنتم عليهم، إلا أنكم آمنتم باللّه ربكم.. فتلك هى جنايتكم عند القوم.. إنهم يعادونكم لإيمانكم باللّه.. ف قوله تعالى :«وَإِيَّاكُمْ » معطوف على « الرسول » أي يخرجون الرسول ويخرجونكم.


الصفحة التالية
Icon