ج ١٤، ص : ٩٢١
السيد المسيح إليهم، إلا أنه عليه السلام، رفض هذا النسب المدّعى له، محتفظا بنسبه السماوي، الذي كرمه اللّه به، متحدّيا بهت اليهود، ضاريا فى وجوههم بهذا الافتراء الذي افتروه عليه، وعلى أمه البتول.. لأنه لا يقول غير الحق، ولا يقبل إلا ما هو حق! وفى قوله :« إنى رسول اللّه إليكم » ـ إشارة إلى أنه رسول اللّه إليهم خاصة، كما كان موسى ـ عليه السلام ـ رسولا من عند اللّه إليهم..
وقوله :« مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ».
. أي مؤمنا بالتوراة التي بين يدىّ، والتي هى كتابكم الذي تؤمنون به.. فأنا لم أجئكم بما تنكرونه علىّ، بل جئتكم مجددا هذه الرسالة التي جاءكم بها موسى، لأفيمكم على تعاليمها.. فلم تنكرون ما أدعوكم إليه! وفى هذا يقول السيد المسيح فى الإنجيل :« ما جئت لأنقض الناموس، وإنما جئت لأكّمل » أي لأقيم ما هدمتم من تلك الشريعة، وما نقضتم من ناموسها..
وقوله :« ومبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد » ـ هو إشارة إلى نبىّ يأتى من بعده اسمه أحمد، وهو رسول اللّه « محمد » صلى اللّه عليه وسلم..
وقد صدقت كلمة المسيح ـ عليه السلام ـ فما جاء بعده رسول ـ ولو على سبيل الادّعاء ـ حتى كانت رسالة محمد صلوات اللّه وسلامه عليه..
قوله تعالى :« فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ » أي فلما جاءهم المسيح بالمعجزات التي وضعها اللّه سبحانه بين يديه، بهتوه، وكذبوه، واتهموه بالسحر والشعوذة، وتعقبوه بالأذى، وأخذوه بالبأساء والضراء، ولم يمسكوا عن مساءته حتى ساقوه إلى ساحة الاتهام، وحكموا عليه بالموت صلبا :« وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » (١٥٧ : النساء).