ج ١٤، ص : ٩٤٣
يقبلون على العلم، وعلى مدارسة الكتب السماوية وما يتصل بها..
وفى قوله تعالى :« رَسُولًا مِنْهُمْ » ـ إشارة إلى أن هذا الرسول الذي بعثه اللّه سبحانه وتعالى إلى العرب، كان واحدا منهم، أي من هؤلاء الأميين، وليس من أهل الكتاب.. وهذا يعنى أن هؤلاء الأميين هم أهل لأن تختار منهم رسل اللّه، كما هم أهل لأن يتلقوا رسالات اللّه، وتنزل إليهم كتب اللّه..
وقوله تعالى :« يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ـ » هو صفة للرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، تبيّن محامل رسالته إلى العرب، ومنهج دعوته لهم.. فهو يتلو عليهم آيات اللّه، أي يسمعهم إياها، ويلقيها على أسماعهم مشافهة منه.. إنه هو الذي يتولى تبليغ رسالة ربه بنفسه، لا بوساطة كتب، أو رسل.. فما دام هو بين قومه، فهو الذي يلقى الناس برسالة ربه، وينقلها إليهم كما تلقاها وحيا من السماء، وهو بهذه التلاوة لآيات اللّه، إنما يريد أن يزكّى قومه، أي يطهرهم من الشرك، ومن ضلالات الجاهلية وأرجاسها.
وهو ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ « يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » أي أي يبين لهم ما فى كتاب اللّه من شرائع وأحكام، كما يقول اللّه سبحانه :« وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ » ويعلمهم كذلك « الحكمة » وهى السنّة التي يبين بها الرسول ما فى كتاب اللّه.. وسميت السّنة حكمة، لأنها مستفادة من كتاب اللّه، ومن النظر الملهم فى آياته وكلماته.. فليس كل ناظر فى كتاب اللّه قادرا على أن يتلقى الحكمة عنه.. وإنما رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ هو الذي أخذ الحكمة كلّها من كتاب اللّه، بما أراه اللّه..
وفى هذا دعوة للعرب وللمؤمنين بهذا الدين، أن يتعلموا للكتاب والحكمة، وذلك بمدراسة كتاب اللّه، إذ كان هو الكتاب الجامع لكل ما فى الكتب، من سماوية وغير سماوية، فمن جعل همّه له، ووجه عقله وقلبه إليه، أصاب العلم


الصفحة التالية
Icon