ج ١٥، ص : ١٠٥٩
اللّه مشهودا لنا فى كل حال.. وأنه إذا كنا لا نجاهر بالمنكر أمام الناس، فكيف نجاهر بالمعاصي أمام اللّه ؟ فليس فيما نفعل أو نقول، سرّ بالنسبة إلى اللّه سبحانه، بل كل أعمالنا وأقوالنا، هى جهر منّا بين يديه، على أية حال لنا.. « سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ » (١٠ : الرعد).. فمن ترك المعاصي جهرا، ولم يتركها سرّا، فهو إنما يفعل ذلك خوفا من الناس، لا من خشية اللّه، وفى ذلك استخفاف بجلال اللّه، وسوء أدب مع اللّه..
قوله تعالى :« أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ »..
هو تقرير لما جاء فى قوله تعالى :« وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ».
. فإن علم اللّه سبحانه وتعالى بما نسرّ وما نجهر به من قول ـ أمر لا يصحّ أن ينكره أو يشك فيه عاقل.. فنحن صنعة اللّه.. من التراب، إلى النطفة، إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن نصبح بشرا سويا.. وإذا كان ذلك شأن اللّه فينا ـ أفيخفى على اللّه بعد ذلك شىء من ظاهرنا، أو باطننا ؟ أفيخفى على الصانع شىء من أسرار ما صنع ؟ أيخفى على صانع آلة من الآلات البخارية، أو الكهربية، أىّ جزء من أجزائها.. دقّ، أو عظم ؟ ألا يعلم السرّ فى كل حركة من حركاتها، أو سكنة من سكناتها ؟ ألا يعلم لم تتحرك، ولم تسكن ؟..
فإذا كان ذلك كذلك فيما يخلق المخلوقون، فكيف لا يكون هذا الربّ العالمين، وخالق المخلوقين ؟..
فالاستفهام فى قوله تعالى :« أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ » استفهام تقريرى..
وقوله تعالى :« وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » صفتان من صفات اللّه تعالى »


الصفحة التالية
Icon