ج ١٥، ص : ١٠٨٠
الصفات منه صلوات اللّه وسلامه عليه، إنها داء خطير يتناول وجود الإنسان، ويذهب بكل معالم إنسانيته.. ولهذا جاء مع نفى تلك الصفة عن النبي ـ هذه المباعدة الادية بينه وبينها، فقام حجاز بينه وبينها بقوله تعالى :« بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ».
. ثم قام حجاز آخر بحرف الجر « الباء ».
. « ما أَنْتَ ـ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ».
وفى هذا كله ما يؤكد تلك الحقيقة التي جاءت الآية الكريمة لتقريرها، وهى بعد النبي ـ بعدا معنويا، وحسيّا ـ عن أن يلم بحماه الكريم شىء يمسّ عقله فى سلامته، وكماله.. ومثل هذا قوله تعالى :« وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ » وقوله سبحانه :« لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ».
. ففى هذين المقامين توكيد لنفى هاتين الصفتين المذمومتين عن النبي : التجبر، والتسيطر.. وهذا آكد وأبلغ فى نفى هاتين الصفتين عن النبي، من أن لو جاء النظم هكذا :« ما أنت جبار ».
« ما أنت مصيطر »، برفع هذه الحواجز المادية التي تحجز السوء عن أن يواجه به النبي، حتى ولو كان هذا السوء واقعا فى قيد النفي..
وقوله تعالى :« بِنِعْمَةِ رَبِّكَ » ـ إما أن يكون جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، يرادبها الإشارة إلى أن الرسول ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ فى نعمة سابغة من ربه، وهو بهذه النعمة معافى من كل عارض سوء يعرض له فى عقله، أو روحه، أو قلبه. فهذا أشبه بمن يقال له : أنت ـ بحمد اللّه ـ فى عافية، أو أنت ـ وللّه الحمد ـ فى أمان..
وإما أن يكون قوله تعالى :« بِنِعْمَةِ رَبِّكَ »، متعلقا بمحذوف، حال من الضمير المستكنّ فى قوله تعالى :« بِمَجْنُونٍ ».
. أي ما أنت بمجنون، والحال أنك محفوف بنعمة ربك..!