ج ١٥، ص : ١٢١٣
ويدع ما ليس له، بمعنى أن يقطع مقول القول، عن القول، أو أداة النداء والمنادى، عن الخاطب به، فيقول ما أمر بقوله، دون أن يصدره بلفظ : قل، أو يا أيها النبىّ ؟
إن المألوف فى لغة التخاطب أن يقال للإنسان مثلا : قل :« لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ».
. فيقول :« لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه » ولا يقول :« قل لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه » : إنه لو قال هذا لما كان ممتثلا للأمر. بل مردّدا لصدى الكلام الذي سمعه.. أفهذا كان شأن رسول اللّه حين لم ينقل الصورة اللفظية التي سمعها، قولا، ومقولا ؟
والجواب ـ واللّه أعلم ـ من وجوه :
فأولا : هذا الأمر الموجه إلى النبىّ ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ والمصدّر بلفظ « قل » هو أمر صادر إليه من اللّه سبحانه وتعالى، وأن هذا الذي يوحى من الحق جل وعلا، يملأ الوجود كله، ويسرى فى كل ذرّة من ذرّاته، فهو ليس مجرد قول من شخص إلى شخص، وإنما هو من كلام ربّ العزّة، الذي تبلغ كلماته أسماع الكون، وتنفذ إلى أعماق كل ذرة موجودة فيه.
وثانيا : وتأسيسا على هذا.. أن النبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه.. حين تبلغه كلمات ربّه، يمتلىء بها كيانه، وتفيض بها مشاعره، وتلبسه هذه الكلمات كما تلبس الروح الجسد.. ومن هنا فإنه لا يستطيع أن يفصل بعضا منها عن كيانه، كما لا يستطيع الإنسان أن يقطع بعض روحه، لأنها سر مضمر فيه، يجده ملء وجوده، ولكن لا يعرف لها ذاتا، ولا كنها، ولعلّ هذا من بعض ما يشير إليه قوله تعالى :« وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا »