ج ١٥، ص : ١٢٩٢
أهو قول مجنون ؟ كلّا فما قائله بمجنون، ولا فيما يقوله إلّا أحكم المنطق وأصوب القول..
وهكذا، تدور الخواطر فى نفسه، وتصطرع الآراء فى عقله، وهو عاجز عن أن يخرج من هذه العاصفة المزمجرة التي احتوته.
« ثُمَّ عَبَسَ ».
. هذه انطباعة من أثر هذا الصراع الدائر فى كيانه..
لقد طرقه خاطر مخيف فردّه بهذا العبوس، والتجهم.. ولعل هذا الخاطر كان يدعوه إلى أن يستسلم للحق، ويخرج على قريش معلنا إيمانه بآيات اللّه، وتصديقه برسول اللّه!! ولكن هذا العبوس قد ردّ هذا الخاطر، وألقى به فى عباب الخواطر التي تموج فى صدره.
« وَبَسَرَ » أي زاد على العبوس تقطيبا، وزمّا لفمه، وتكشيرا عن أنيابه..
وهذه كلها تكشف عن حركات نفسية، تغدو وتروح، وتقبل وتدبر، فى صدر هذا الشقي العنيد، الذي يموج بهذه المشاعر المتضاربة.
« ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ » هذه هى الجولة الأخيرة فى هذا الصراع الذي كان محتدما فى نفسه.. لقد انهزم العقل، وانتصر الهوى، وغابت الحكمة، وحضر الطيش والنزق.. وانتهى الأمر بأن أعطى هذا الشقي العنيد ظهره للحقّ، وأخذته العزّة بالإثم، فأبى أن يتبع سبيل المؤمنين.
« فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » !! وبدلا من أن يقول :« لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ».
. قال « إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » أي ما هذا الذي يتلوه محمد علينا ـ ما هو إلا سحر،