ج ١٥، ص : ١٣٦٤
فضل، ولما استحقوا عند اللّه أجرا، لأنهم استوفوا جزاء ما عملوا، ممن صنعوا بهم هذا الصنيع..
وهذا القول من الأبرار ليس بلسان المقال، يواجهون به من أطعموهم، فإنهم لو فعلوا، لكان ذلك من باب المنّ والأذى، الذي يحبط الأعمال، ويمحق الإحسان ـ وإنما هو بلسان الحال، ومما انطوت عليه ضمائرهم، وانعقدت عليه نيّاتهم..
قال مجاهد، وسعيد بن جبير، رضى اللّه عنهما :« واللّه ما قالوا ذلك بألسنتهم، ولكن علمه اللّه من قلوبهم، فأثنى به عليهم، ليرغب فى ذلك راغب »..
وروى عن عائشة رضى اللّه عنها، أنها كانت إذا بعثت بالصدقة إلى أهل بيت من الفقراء، سألت من بعثته : ماذا قالوا لك ؟ فإن ذكر أنهم دعوا لها، أخذت هى بالدعاء لهم، ليبقى لها عملها خالصا لوجه اللّه.
قوله تعالى :« إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ».
وهذا أيضا مما يقوله الأبرار المتصدقون، بلسان الحال، لا بلسان المقال..
إنهم إنما فعلوا ما فعلوا ابتغاء وجه ربهم، وخوفا من لقائه يوم القيامة، حيث مزدحم الأهوال، وحيث يكثر العويل، والبكاء، وصرير الأسنان!! ووصف اليوم بأنه هو العبوس القمطرير، لأنه يطلع على الناس أغبر متجهما، يرمى بالنذر والمهلكات.. وإنه على صفحة الأيام والليالى تنطبع أحوال الناس، فالحزين يرى الحزن مخيّما على وجه أيامه ولياليه، والمتوجّع الشاكي، لا يسمع من أصداء الزمن إلا توجعا وأنينا، على حين يجد الخلّى المغتبط، الأيام