ج ١٦، ص : ١٤٣٠
فيجاب، بأنك إذا رجعت إلى جميع ما أقسم اللّه به، وجدته إما شيئا أنكره بعض الناس، أو احتقره لغفلته عن فائدته، أو ذهل عن موضع العبرة فيه، وعمى عن حكمة اللّه فى خلقه، أو انعكس عليه الرأى فى أمره، فاعتقد فيه غير الحق الذي قرر اللّه شأنه عليه ـ فيقسم اللّه به، إما لتقرير وجوده فى عقل من ينكره، أو تعظيم شأنه فى نفس من يحقره، أو تنبيه الشعور إلى ما فيه عند من لا يذكره، أو لقلب الاعتقاد فى قلب من أضله الوهم، أو خانه الفهم....
« ومن ذلك النجوم.. قوم يحقرونها لأنها من جملة عالم المادة، أو يغفلون عن حكمة اللّه فيها، وما ناط بها من المصالح، وآخرون يعتقدونها آلهة تتصرف فى الأكوان السفلية تصرّف الرب فى المربوب، فيقسم اللّه بأوصاف تدل على أنها من المخلوقات، التي تصرّفها القدرة الإلهية، وليس فيها شىء من صفات الألوهية...
ثم يقول الإمام :
«و هناك أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن من الأديان السابقة على دين الإسلام، ما ظن أهله أن هذا الكون الجسماني، وما فيه من نور وظلمة، وأجرام، وأعراض ـ إنما هو كون مادى، لم يشأ اللّه كونه إلا ليكون حبسا للأنفس، وفتنة للأرواح، فمن طلب رضا اللّه، فليعرض عنه، وليبعد عن طيباته، وليأخذ بدنه بضرب من الإعنات والتعذيب وأصناف الحرمان، وليغمض عينيه عن النظر إلى شىء مما يشتمل عليه هذا الكون الفاسد فى زعمه ـ اللهم إلا على نية مقته، والهروب منه..
فأقسم اللّه بكثير من هذه الكائنات، ليبين مقدار عنايته بها، وأنه لا يغضبه من عباده أن يتمتعوا بما متعهم به منها، متى أدركوا حكمة اللّه فى هذا المتاع، ووقفوا عند حدوده فى الانتفاع ».