ج ١٦، ص : ١٤٥١
متكرهين له.. فكأنه إنما يتلهى بهذا الحديث، الذي لا يجىء بثمر.. وإن كان ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ جادّا فى هذا الحديث كل الجد، مقبلا عليه كل الإقبال، ولكنه إنما يضرب فى حديد بارد، أشبه بمن يريد أن بستنبت الزرع فى الصخر الصلد.. فمن رآه على تلك الحال لم يقع فى نفسه إلا أنه يتلهى بما يعمل..
قوله تعالى :« كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ »..
أي ليس الأمر كما تصورته أنت أيها النبىّ، ولا على الموقف الذي وقفته هنا..
« إِنَّها تَذْكِرَةٌ » أي إن دعوتك، هى تذكرة للناس، وتنبيه للغافل، وحسب..
وليس لك أن تذهب إلى أبعد من هذا.. فمع كل إنسان عقله الذي يهديه، ومع كل إنسان فطرته التي من شأنها أن تدعوه إلى الحق والخير، وتصرفه عن الضلال والشر..
إن رسالة الرسل ليست إلا إيقاظا لهذا العقل إذا غفل، وإلا تذكيرا لهذه الفطرة إذا نسيت.. وإنه ليكفى لهذا أن يؤذّن مؤذّن الحقّ فى الناس، فمن شاء أجاب، ومن شاء أعرض!.
والضمير فى « ذكره » وهو الهاء، يعود إلى اللّه سبحانه وتعالى، فمن شاء ذكر ربه بهذه التذكرة التي جاءته من آيات اللّه، التي يتلوها عليه رسول اللّه..
قوله تعالى :« فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ ».