ج ١٦، ص : ١٥٢٣
فى إبداع هذه الذات وتصويرها.. فإنه لو نظر بهذا العقل إلى هذا الذي يوجّه إليه من حقائق، لعرف طريق الحق، وسلك مسالك الهدى.
فمن أين خلق هذا الإنسان، ذو العقل والبصر ؟ خلق من ماء دافق، أي ماء سائل، جار، لا كون له، ولا تماسك بين أجزائه..
وقوله تعالى :« يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » ـ إشارة إلى مورد هذا الماء الدافق، وأنه ماء مخرجه من بين الصلب والترائب..
والصلب، فقار الظهر، والمراد به صلب الرجل، أي ظهره.
والترائب : جمع تريبة، وهى موضع القلادة من الصدر.. والمراد بالتربية هنا تريبة المرأة..
فالماء الذي يخلق منه الإنسان، هو ماء الرجل والمرأة معا، حين يلتقيان فى رحم المرأة..
وفى وصف الماء بالتدفق، إشارة إلى أنه ماء قد خرج خروجا طبيعيا، بعد أن استوى ونضج فى صلب الرجل، وتربية المرأة، وأنه ليس ماء انتزع انتزاعا من موضعه قبل أن ينضج ويستوى..
قوله تعالى :« إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ».
أي أن اللّه سبحانه الذي خلق هذا الإنسان من هذا الماء الدافق، قادر على أن يرجعه إلى الحياة بعد الموت، ويخلقه خلقا آخر، كما خلقه أول مرة.. فهذا الماء لا يختلف ـ فى تقدير الإنسان ـ عن هذا التراب الذي الذي يبعث منه الإنسان بعد موته.. كلاهما شىء بعيد عن صورة الإنسان.. فما أبعد ما بين الإنسان، وبين الماء، أو التراب!