ج ١٦، ص : ١٥٥٩
تحتاج لقهرها إلى رصيد عظيم من العزم، وقوة الإرادة ـ فإن الامتحان بالفقر والشدة، يضع الإنسان أمام عدوّ يريد أن نزعزع إيمانه، ويغتال صبره لحكم ربه، ورضاه بما قضى اللّه فيه.
قوله تعالى :« كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ».
هو رد على ما يقوم فى نفوس كثير من الناس من تلك المفاهيم الخاطئة فيما يبتليهم اللّه سبحانه وتعالى به، من غنى أو فقر، فليست التوسعة فى الرزق، بالتي تعطى العبد حجة بأنه من المكرمين عند اللّه، وليس التضييق فى الرزق، بالذي يدلّ على إهانة اللّه سبحانه لمن قدر عليه رزقه.. إن هذا وذاك، امتحان وابتلاء، وليس كما يظن الجاهلون بأن اللّه إنما يرزق الناس فى الدنيا بحسب مكانتهم عنده، فيوسّع على أوليائه، ويضيّق على أعدائه، وأن هؤلاء الذين أفقرهم اللّه، لو كانوا من المكرمين عنده لما ضيق عليهم فى الرزق، ولما وضعهم بموضع الحاجة إلى الأغنياء، وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى فضح منطقهم الفاسد، إذ يقول سبحانه على لسانهم :« أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ » ؟
(٤٧ : يس)..
وكلا.. فإن هذا منطق ضالّ، ورأى فاسد سقيم!! ولقد أحالهم هذا الفهم الضال إلى حيوانات، لا تعرف غير ما تملأ به بطنها من طعام، فلقد جفّت فيهم عواطف الإنسانية، وانتزعت من قلوبهم مشاعر الرحمة..
فلم يكرموا اليتيم، كما أكرمهم اللّه، ولم يحسنوا إلى الفقير، كما أحسن اللّه إليهم.
بل اغتالوا حق اليتيم، ولم يمدّوا أيديهم بإحسان إلى مسكين، وأكلوا ما يرثون