ج ١٦، ص : ١٥٦٦
التفسير [لا أقسم بهذا البلد.. ما تأويله ؟ ] قوله تعالى :« لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » قلنا ـ فى غير موضع ـ إن القسم المنفي فيما ورد فى القرآن الكريم، هو تعريض بالقسم، وتلويح به، دون إبقاعه، إذ كان الأمر الواقع فى حيزّ القسم، أوضح وأظهر من أن يقسم عليه، توكيدا، أو تقريرا.. ونفى القسم هنا هو لعلة فى المقسم به، لا بالمقسم عليه، كما سنرى.. والبلد، هو البلد الحرام، مكة المكرمة، وقد أقسم اللّه به فى غير هذا الموضع، فى قوله تعالى :« وَالتِّينِ. وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ».
وقوله تعالى :« وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ » الواو هنا للحال، والجملة حال من فاعل لا أقسم، وهو اللّه سبحانه وتعالى.. أي لا أقسم بهذا البلد فى تلك الحال التي أنت حلّ به، فالضمير « أنت » خطاب للنبى صلوات اللّه وسلامه عليه. والحلّ : الحلال، المستباح..
والمراد بالحلّ، هنا هو النبىّ ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ وأنّ المشركين لم يرعوا فيه حرمة القرابة، ولا حرمة البلد الحرام الذي يأوى إليه، بل أباحوا سبّه وشتمه، وأطلقوا ألسنتهم بكل قالة سوء فيه، بل وتجاوزوا هذا إلى التعرض له بالأذى المادي، حتى لكادوا يرجمونه..
وهنا ندرك بعض السر فى نفى القسم بالبلد الحرام.. لقد جعله المشركون بلدا غير حرام، وغيّروا صفته التي له، حتى لقد صار هذا البلد غير أهل لأن


الصفحة التالية
Icon