ج ١٦، ص : ١٥٩٦
فالإنسان ـ فيما يرى نفسه ـ مطلق المشيئة، وإن كان مقيدا، حرّ الإرادة، وإن كان مجبرا..
وقوله تعالى :« وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى »..
للمفسرون مجمعون على أن الآخرة، هى الحياة الآخرة، وأن الأولى هى الحياة الدنيا..
والرأى عندنا ـ واللّه أعلم ـ أن الآخرة والأولى، هما اليسرى والعسرى، اللتان أشار إليهما سبحانه وتعالى فى الآيات السابقة.. وفى ذلك إشارة إلى أن اختيار الإنسان لليسرى أو العسرى، وإن بدا أنه اختيار مطلق، هو مقيد بمشيئة اللّه، محكوم بإرادته، إذ كلّ مردّه إلى اللّه، فى واقع الأمر، وكلّ صائر إلى حكمه، وما قضى به فى عباده :« وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ » (٢٩ : التكوير).. ربّ العالمين « مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (٣٩ : الأنعام)..
وقوله تعالى :« فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى »..
وهذا مما أشار إليه سبحانه وتعالى فى قوله :« إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ».
. ومن هذا الهدى ما أنذر اللّه به عباده، على يد رسله، من عذاب أليم فى الآخرة، لمن رأى الضلال، وسلك مسالكه، ورأى الهدى، فحاد عنه، وصرف نفسه عن طريقه..