ج ١٦، ص : ١٦٣٦
الولد التي بزغت فيها شمس الهدى، على حين أنه قد تمضى مئات وألوف من الليالى عقيما لا تلد شيئا ينتفع به، ولا تطلع على الناس ببارقة من خير يتلقونه منها :..
إن شأن هذه الليلة فى الليالى، شأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الإنسانية..
إنه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ واحد الإنسانية، ومجدها وشرفها، وهى واحدة ليالى الزمن، ومجده، وشرفه.. فكان التقاؤها بالنبي على رأس الأربعين من عمره ـ وقد توجه ربه بتاج النبوة ـ كان، التقاء جمع بين الزمن مختصرا فى ليلة، وبين الإنسانية مختصرة فى إنسان، هو رسول اللّه..
وكان ذلك قدرا مقدورا من اللّه العزيز الحكيم.
وقوله تعالى :« تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ » أي يتنزل فيها جبريل عليه السلام، الذي هو مختص بتبليغ الوحى، والاتصال بالنبيّ.. أما الملائكة الذين يحفون به، فهم وفد اللّه معه لحمل هذه الرحمة إلى رسول اللّه، وإلى عباد اللّه.. وهم إنما يتنزلون بأمر اللّه كما يقول سبحانه :« وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ » (٦٤ : مريم) فجبريل لم يكن ينزل وحده بالوحى، وإنما كان ينزل فى كوكبة عظيمة من الملائكة تشريفا وتكريما، لما يحمل إلى رسول اللّه من آيات اللّه..
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده :
« وإنما عبر بالمضارع فى قوله تعالى :« تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ » وقوله :« فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » ـ مع أن المعنى ماض، لأن الحديث عن مبدإ نزول الوحى ـ لوجهين :