ج ١٦، ص : ١٦٤٠
ومعنى الانفكاك فى قوله تعالى :« منفكّين » هو حلّ تلك الرابطة الوثيقة التي جمعت بينهم جميعا على الكفر والضلال.
فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون، على سواء فى الضلال، وفى البعد عن مواقع الحق.. فهم وإن اختلفوا دينا ومعتقدا، وجنسا وموطنا ـ على سواء فى الضلال وفساد المعتقد، وهم لهذا كيان واحد، وقبيل واحد، ينتسبون إلى أب واحد، هو الكفر والضلال.
أما الكافرون من أهل الكتاب، فقد كان كفرهم بما غيّروا، وبدّلوا من شرع اللّه، وبما تأوّلوا من كتب اللّه التي بين أيديهم، فحرّفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا عن اللّه سبحانه ما لم يقله.
وأما المشركون، فقد اغتال جهلهم وضلالهم كل معانى الحق، التي تركها فيهم أنبياؤهم الأولون، كهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، عليهم السلام..
فانتهى بهم الأمر إلى الشرك باللّه، وعبادة الأصنام من دون اللّه.
ومجمل معنى الآية الكريمة : أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون لن تنحلّ منهم هذه الرابطة الوثيقة التي جمعت بينهم على الكفر والضلال، حتى تأتيهم البينة.. فإذا أتتهم البينة تقطع ما بينهم، وانحلت وحدتهم، وأخذ كلّ الطريق الذي يختاره..
و« البينة » هى ما أشار إليها قوله تعالى :« رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً » فالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه ـ هو « البينة »، أي البيان المبين، الذي يبين طريق الحقّ بما يتلو من آيات اللّه على الناس..
وفى جعل الرسول هو البينة ـ مع أن البينة هى آيات اللّه ـ إشارة إلى أن الرسول الكريم، هو فى ذاته بينة، وهو آية من آيات اللّه، فى كماله، وأدبه، وعظمة خلقه، حتى لقد كان كثير من المشركين يلقون النبي لأول مرة فيؤمنون