ج ١٦، ص : ١٦٤٧
لا ينكره إلا مكابر، ولا يكفر به إلا من ختم اللّه على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، ومن هنا كانوا شرّ البريّة على الإطلاق، كما كان المؤمنون بشريعة الإسلام خير البرية على الإطلاق كذلك.
وثانى الأمرين : هو أن وعيد الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين بالخلود فى النّار ـ لم يقيّد بلفظ التأبيد « أبدا » بل جاء مطلقا هكذا :« خالِدِينَ فِيها » على حين جاء وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالخلود فى الجنة مؤبدا.. هكذا « خالِدِينَ فِيها أَبَداً ».
فما تأويل هذا ؟
نقول ـ واللّه أعلم ـ إن تأبيد الخلود فى الجنة، هو أمر عام لكل من أكرمه اللّه بدخول الجنة، وأخذ مكانه فيها، ونزل منزله منها.. فإنه لا يتحول أبدا عن هذا المنزل، وإن كان ثمة تحول فهو إلى منزل آخر فى الجنة، أعلى من منزله الذي هو فيه.. فخلود أهل الجنة فى الجنة، خلود مؤبد لكل من دخلها.. أما أهل النار.. فإن كثيرا ممن يدخلها من عصاة المؤمنين، لا يخلدون فيها، بل يتحولون عنها إلى الجنة، بعد أن ينالوا جزاءهم من العذاب فى النار، وأما الذين يخلدون فى النار فهم أهل الكفر، وحسبهم من العذاب أن يكون خالدا، أي طويلا ممتدّا إلى ما شاء اللّه.. فمعنى الخلود هنا هو امتداد الزمن وطوله، كما يفهم من قوله تعالى :« يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ » أي يخلده، ويمد له فى عمره زمنا طويلا..
ثم إن هؤلاء الخالدين فى النار، هم بعد ذلك إلى مشيئة اللّه، فى تأييد هذا الخلود أو توقيته، وهذا ما يفهم من قوله تعالى فى أصحاب النار :« فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ » وقوله تعالى بعد ذلك فى أصحاب