ج ١٦، ص : ١٦٦٩
وقوله تعالى :« إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ».
هو المقسم عليه، وهو جواب القسم..
والإنسان فى خسر، أي فى ضلال، لأنه لم يعرف قدره، ولم يرتفع بإنسانيته إلى المقام الذي أهّله اللّه سبحانه وتعالى له.. فلقد خلق اللّه سبحانه الإنسان فى أحسن تقويم، ولكن الإنسان لم يلتفت إلى هذا الخلق، ولم يقدره قدره، ولم يأخذ الطريق الذي يدعو إليه العقل، بل انقاد لشهواته، واستخف بإنسانيته، وتحول إلى عالم البهيمة، يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام..
ذلك هو شأن الإنسان فى معظم أفراده وأحواله.. وقليل هم أولئك الذين عرفوا قدر إنسانيتهم، وما أودع اللّه سبحانه وتعالى فيهم من قوى قادرة على أن ترتفع بهم إلى الملأ الأعلى، لو أنهم أحسنوا استعمالها، وهؤلاء هم الذين استثناهم اللّه سبحانه وتعالى بقوله :
« إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ».
فهؤلاء هم الإنسان الكريم عند اللّه، الذي يلقاه ربه بالرضا والرضوان..
إنهم هم الذين آمنوا باللّه، وعرفوا ما للّه سبحانه وتعالى، من كمال وجلال..
فاستمسكوا بالحق، وهو الإيمان، وما يدعو إليه، وما ينهى عنه.. ثم تواصوا به فيما بينهم، فنصح بعضهم لبعض بالاستقامة عليه، والتمسك به، وفى هذا ما يقوّى من جبهة الحق، ويكثّر من أتباعه.
وفى قوله تعالى :« وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » ـ إشارة إلى أن طريق الإيمان، والاستقامة على شريعته ليس أمرا هينا، فإن ذلك إنما يحتاج إلى معاناة وصبر على مغالبة الشهوات، وقهر دواعى الأهواء، ووساوس الشيطان.. فطريق الحق طريق محفوف بالمكاره، والصبر هو زاد الذين يسلكون طريقه، ويبلغون به غايات الفوز والفلاح..