ج ١٦، ص : ١٦٩٧
معبوداتكم، وأنتم لا تعبدون معبودى..
وقوله تعالى :« وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ »..
هو تعقيب على هذا الحكم العام المطلق، وينبنى عليه : أننى لا أنا عابد ما عبدتم، فى أي حال من أحوالى، لا حاضرا ولا مستقبلا.. ولا أنتم عابدون فى المستقبل الإله الذي أعبده.. فأنا على ما أنا عليه من عبادة الإله الذي أعبده، لا أتحول عن عبادته، وأنتم على ما أنتم عليه من عبادة ما تعبدون من معبودات لا تتحولون عن عبادتها..
وهذا يعنى أن الذين خوطبوا بهذا الخطاب من المشركين، لم يدخلوا فى الإسلام، ولم يؤمنوا باللّه، بل ماتوا على شركهم.. وهذا ما يفهم من قوله تعالى :« قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » ففى وصف المشركين بالكفر إشارة إلى أنهم من الذين استبدّ بهم العناد، وركبهم الضلال، فانتقلوا ـ بدعوة النبىّ لهم إلى الإيمان باللّه ـ انتقلوا من الشرك إلى الكفر الصريح..
يقول الطّبرسى فى تفسيره : يريد (أي بالكافرين) قوما معينين، لأن الألف واللام للعهد..
والقرآن الكريم، حين يلقى رءوس المشركين، ومن غلبت عليه الشّقوة منهم ممن لا يدخلون فى دين اللّه أبدا ـ كان يخاطبهم بوصف الكافرين لا المشركين، ومن ذلك قوله تعالى :« إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً » (١٥ ـ ١٧ الطارق).. ويقول سبحانه فى أحد رءوس هؤلاء المشركين :« أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا » (٧٧ ـ ٧٩ مريم)..