ج ١٦، ص : ١٧٢٠
بالاستعاذة من هذا الشر، هو أن يلقى الإنسان المخلوقات فى خيرها الخالص، دون شرها، الذي يستعيذ باللّه منه.
وقد يكون للإنسان، أو الحيوان حيلة فى دفع بعض الشرّ، فليحتل حيلته، وليبذل وسعه، ولكن هذا لا يمنع الإنسان العاقل من أن يجعل معاذه هو اللّه سبحانه، كما أن معاذه باللّه، لا يحمله على تعطيل ملكانه وقواه، فنلك وسائل أودعها الخالق جلّ وعلا فيه، وهى داخلة فى الاستعاذة باللّه، واللّجأ إليه.. فما يملكه الإنسان من قدرات على دفع ما يدفع به من شرور، ومكاره، هى أسلحة من عند اللّه سلّحه بها، فلا يعظلها، وليذكر فضل المنعم بها عليه، فإنها عند المؤمن استعاذة باللّه.
وليس الشرّ المستعاذ باللّه منه، هو شرّ فى ذاته، لأن اللّه سبحانه ما خلق شرّا، وإنما هو شرّ إضافىّ، أو نسبىّ، وذلك بالإضافة إلى من وقع عليه، والذي يعدّه شرّا بالنسبة له هو، ولكنه فى النظام العام للوجود، هو خير مطلق، كما قلنا.
وأما الشر المستعاذ به، فهو شر يقع من احتكاك الموجودات بعضها ببعض، أشبه بالشرر المتطاير من احتكاك الزناد بالصّوان، بل هو أشبه بآلام المخاض لميلاد حياة متجددة فى الحياة! فالإنسان فى ذاته يشعر بآلام المرض، والجوع، ويجد لذعة الحرمان والفقر، ومرارة فقد الأحباب والأعزاء، وخيبة الآمال، وضياع الفرص ـ إلى غير ذلك مما يساء به الإنسان، ويألم منه، ويعده شرا مقيسا بمقياس ذاته. مضبوطا على تلقيات مشاعره له، وإحساسه به.. وهذا كله غير منكور، ومن حقّ الإنسان أن يلجأ إلى حمى ربه، وأن يستعيذ به، وأن يطلب منه اللطف والعافية..