ج ١٦، ص : ١٧٤٨
فأفراد الجنس الواحد، أو النوع الواحد، كلها على طريق سواء، فى حياتها، لا يختلف فرد عن فرد، ولا تشذّ جماعة عن جماعة، فى أي مكان وأي زمان..
فالنملة الواحدة، هى النمل جميعه، والنحلة الواحدة، هى النحل كله، والغراب الواحد، هو الغربان جميعها، والذئب الواحد، هو الذئاب كلها..
وهكذا، كل فرد فى جنسه، يحمل تاريخ الجنس كله، لا تحتاج فى التعرف على هذا الجنس إلى أكثر من التعرف على فرد منه.. فى أي مكان وفى أي زمان.
ومن هنا كان من الممكن رصد الشرور الناجمة من بعض الحيوان، والعمل على توقّيها، وأخذ الحذر منها.. فإنه إذا عرف الشرّ أمكن توقّيه، وسدّ المنافذ التي ينفذ منها..
وليس كذلك الإنسان.. فكل إنسان عالم وحده، له وجوده الذاتي، وله عقله، وإدراكه، وتصوراته، ومنازعه، وخيره، وشرّه.. وهيهات أن يلتقى إنسان مع إنسان لقاء مطابقا فى جميع الوجوه، ظاهرا وباطنا..
ولهذا فإنه لا يمكن رصد شرور الناس، بل إنه لا يمكن رصد شرّ إنسان واحد، ولا رسم الحدود التي يقف عندها.. ومن هنا كانت الاستعاذة من الناس، على هذا الوجه الخاص، لأن الشرور التي تقع منهم، بل من أىّ واحد منهم، كثيرة لا تحصى، متعددة متنوعة، لا تحصر.. ولعل هذا هو بعض السر فى تكرار لفظ « الناس » ثلاث مرات فى مطلع السورة، فهم ليسوا ناسا وحسب، بل هم ناس، وناس، وناس.. إنهم فى مجموعهم، أخيار، وأشرار، وخليط من أخيار وأشرار.. وهم فى أفرادهم : خير، وشر، وخليط من الخير والشر..
فالإنسان يحسن، ويسىء، ويقف موقفا بين الإساءة والإحسان.