ج ٢، ص : ٣٩٧
عَلَيْكَ الْكِتابَ »
. وذلك لاختلاف المقامين، فاللّه سبحانه هو الذي أنزل الفرقان، ونسبة هذا الخبر إلى اللّه سبحانه وتعالى هنا هي نسبة مجردة، لا يراد بها غير إثبات الحكم الذي تضمنه الخبر، وهو أنه تعالى هو الذي أنزل القرآن.. أما الخبر فى قوله تعالى « نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ » فليس مرادا به مجرد النسبة إلى اللّه تعالى، بل وبيان الصورة التي نزل عليها الكتاب الكريم، وأنه نزل على النبي مفرقا ولم ينزل جملة واحدة.
الآيتان :(٥، ٦) [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥ إلى ٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)
التفسير : هنا استعراض لقدرة اللّه، وكشف لمظاهر هذه المقدرة، فيما أبدعت وصورت، من آيات مبثوثة فى ملكوت السموات والأرض! فهذه القدرة محيطة بكل شىء، عالمة بكل شىء، وهو سبحانه خالق كل شىء، فما من شىء إلّا وهو من فيض صنعه وتدبيره، فكيف لا يعلم ما خلق ؟
« أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (١٤ : الملك) ومن شواهد قدرة اللّه، وسلطان علمه، تلك العملية التي تتخلق منها الكائنات الحية، والتي من بعض كائناتها الجنس البشرى! فهذا الإنسان، الذي يفور كيانه عظمة وكبرياء. حتى ليكاد يطاول الإله فى عظمته وكبريائه ـ هذا الإنسان نشأ على يد القدرة، وتنقّل فى أطوار الخلق، من عدم إلى وجود.. وفيما بين العدم والوجود قطع مراحل طويلة، وتقلب فى صور شتى.. من نطفة، إلى علقة، إلى مضغة، إلى عظام عارية، إلى عظام يكسوها اللحم، إلى كائن له سمع وبصر وشم وذوق.. كل هذا وهو فى عالم


الصفحة التالية
Icon