ج ٢، ص : ٤٠٩
التفسير : الدأب : السعى، والعمل، والحال الذي يبلغه المرء بسعيه وعمله.
وقد ضرب اللّه سبحانه وتعالى للكافرين مثلا بآل فرعون ـ وهم جماعة الفراعين ـ الذين استكثروا من الدنيا، وبلغوا من السلطان والقوة ما بلغوا، حيث استطالوا بما فى أيديهم من سلطان وقوة، وقال قائلهم للناس ما حكاه القرآن عنه :« أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى » (٢٤ ـ ٢٥) : النازعات.
هكذا يغرى السلطان ويغوى، إلّا من عصم اللّه، وقد كان فرعون مثلا بارزا للكفران بنعمة اللّه، والاغترار بما مكّن اللّه له فى الأرض. فقال تعالى :« وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ « ١ » الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » (١٠ ـ ١٤ : الفجر).
وقوله تعالى :« وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » أي الذين سبقوا هؤلاء الفراعين فى الضلال والعتوّ، إذ ليس هؤلاء الفراعين هم أول من حادّ اللّه وكفر به، فالكفر قديم فى الناس، لا يسلم منه جيل من أجيالهم « إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » (٣٤ : إبراهيم).
وهؤلاء الكفرة جميعا ـ قريبهم وبعيدهم، سابقهم ولاحقهم ـ لن يفلتوا من قبضة اللّه، ولن ينجوا من عذابه.. « فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ » إذ انقطع عملهم من الدنيا، وصاروا إلى اللّه بما اقترفوا من
_________
(١) المراد بالأوتاد هنا تلك الأهرامات التي رفعها فراعين مصر على وجه الأرض، فكانت جبالا كالجبال، التي هى أوتاد الأرض :« أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً » (٦، ٧ : النبأ)