ج ٢، ص : ٤٤٥
الآيتان :(٤٢، ٤٣) [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٢ إلى ٤٣]
وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
التفسير : العطف هنا فى قوله تعالى :« وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ » هو عطف على قوله تعالى :« إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ »، فهو عطف حدث على حدث.
ولقد أصبحت « مريم » خادمة بيت اللّه أهلا لأن تتصل بالسماء، وأن تتلقى فيوض رحماتها وبركاتها، فنادتها الملائكة مبشرة لها بما فضل اللّه به عليها :« يا مَرْيَمُ.. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ » بأن جعلك فى عباده المصطفين، القائمين على عبادته وطاعته.. « وَطَهَّرَكِ » من الشّرك به، أو التدنّس بالكبائر من الآثام.. « وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ » أي جعل منك الولد الذي لم يولد لإنسان من الناس على، صورة مثل صورته، وهو « المسيح » الذي سيولد من غير أب.. نفخة من روح اللّه، وكلمة من كلماته! إنها صورة فريدة لا مثيل لها فيما تلد الأمهات.. فلقد اصطفى اللّه ـ سبحانه ـ هذه الأنثى المباركة، لتكون معرضا من معارض قدرته، ومجلى من مجالى صنعته فيما يصنع، وشاهدا من شهود تلك القدرة التي إن أقامت هذا الوجود على سنن، وربطت بين المسببات والأسباب، فإنها فوق السنن، وفوق الأسباب، .. تخرج الحىّ من الميت، وتخرج الميت من الحىّ.. وتخلق أصل الإنسانية كلها ابتداء من غير ذكر أو أنثى ـ هو آدم ـ وتخلق أنثى ـ هى حواء ـ من ذكر، دون اتصال بأنثى، وتخلق ذكرا ـ هو المسيح ـ من أنثى دون اتصال بذكر! فهذا هو الاصطفاء الذي اصطفى به اللّه سبحانه وتعالى « مريم » على نساء


الصفحة التالية
Icon