ج ٢، ص : ٤٧٨
أما اليهود، فقد ارتضوا الجريمة مركبا، فقتلوا أنفسهم، وقتلوا الحق معهم.. وقالوا فى المسيح إنه ولد كما يولد الناس، من ذكر وأنثى.. وإن كان ميلاده على فراش الإثم والفاحشة.. لأنه ابن زنا! وأما أتباع المسيح، فقد قصرت مداركهم عن إدراك قدرة اللّه، فلم تحتمل عقولهم تلك الحقيقة، وهى أن اللّه قادر على كل شىء، يخلق ما يشاء، مما يشاء، وكيف يشاء! فقالوا : إن المسيح هو اللّه تجسد بشرا فى جسد عذراء.. وإذن فهو ميلاد صورىّ، لأنه لم يولد إلا اللّه نفسه، الذي كان موجودا بكماله الإلهى قبل هذا الميلاد! وإذن فلا مسيح، وإنما هو اللّه تسمّى باسم بشرى، كما لبس صورة بشرية.. وإذن فهى عملية أشبه بعملية الحلول التي آمن بها كثير من قدماء المصريين، والبراهمة، وغيرهم من الأمم.. فكما كان يحلّ اللّه فى ثور، أو تمساح، أو شجرة، أو رجل.. حلّ فى جسد طفل، وخرج وليدا من بطن امرأة.
وأما المسلمون، فقد جاءهم القرآن بالخبر اليقين عن المسيح.. إنه خلق من خلق اللّه، وإنه إنسان من الناس، ولد بنفخة من روح اللّه، كما ولد هذا الوجود كله بفيض من فيض اللّه! وأقرب مثل لهذا. آدم ـ عليه السّلام ـ إنه خلق من غير أب أو أم..
خلق من تراب هامد، لا أثر للحياة فيه.. وعيسى ـ عليه السّلام ـ خلق مولودا من كائن حىّ، هى أمّه، فأيهما أشدّ غرابة فى الخلق ؟ الذي خلق من تراب هامد، أم الذي تخلّق من جسد حىّ ؟
وفى قوله تعالى :« ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » ما يسأل عنه.. وهو :
كيف يقول اللّه للشىء كن، ثم لا يكون واقعا فى الحال، كما يدل على ذلك قوله تعالى :« فَيَكُونُ » التي تدل على المستقبل المتراخى، ولو كان ما أمر اللّه به


الصفحة التالية
Icon