ج ٢، ص : ٥٠٦
المطلوب لخلاص البشر.. وقد تم له ما أراد، وقدّم إلى الصلب، وصلب!! هكذا يقول أتباع المسيح عن المسيح وفيه! وهى مقولات تنقضها كلمات المسيح نفسه فى الإنجيل أو الأناجيل التي فى يد أتباعه، كما ينقضها تاريخ الرسل والأنبياء السابقين له، ونبى الإسلام الذي جاء من بعده، وينقضها قبل ذلك كله، وبعد ذلك كله، المنطق السليم، والعقل المطلق من قيد الهوى، المتحرر من عبودية التقليد والمحاكاة.
وفى قوله تعالى :« ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ».
.. وفى ذكر « بشر » بدل « نبىّ » ما يشير إلى أن النبىّ بشر من البشر، وأنه إذا جاز على البشر الكذب والافتراء على اللّه وعلى الناس، فإن النبي ـ وهو بشر ـ لا يكون منه أبدا الكذب والافتراء على اللّه أو على الناس.. وإلا كان ذلك اتهاما للّه، ورميا لعلمه بالقصور، ولقدرته بالعجز، ولحكمته بالنقص، حيث اصطفى واختار من يحمل رسالته، ويودّى أمانته، ثم لم يكن من هذا المصطفى المختار إلا أن زيف الرسالة وخان الأمانة.. وبدلا من أن يكون داعيا للّه، هاديا إليه، تحول إلى داعية لنفسه، قائدا الناس إلى الهلاك والضلال.. وتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.. وإنه لن يرضى أسوأ الحكام وأجهل الأمراء أن ينسب إليه مثل هذا العجز وسوء التقدير فى اختيار أعوانه وسفرائه. فكيف بأحكم الحاكمين.. اللّه رب العالمين ؟
وفى الآية حذف دل عليه سياق الكلام.. وتقديره :« ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ » ليدعو الناس إلى اللّه، وإلى الإقرار بوحدانيته.. « ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ » وقوله تعالى :« وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ » أي ولكنه يدعوكم إلى أن تكونوا ربانيين أي مؤمنين باللّه، دعاة إلى اللّه، إذ كنتم علماء، وللناس