ج ٢، ص : ٥١٨
فهم على عداوة ـ ظاهرة أو خفية ـ معهم.. ثم إنهم هم أنفسهم يتبرأ بعضهم من بعض، ويكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، وذلك حين تقع بهم الواقعة، ويرون سوء المصير الذي هم صائرون إليه.. هكذا شأن جماعات الضالين والمفسدين، يجمعهم الضلال والفساد إلى حين.. ثم يفرّق بينهم الضلال والفساد يوم يقوم الناس لرب العالمين.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ » (٦٧ : الزخرف) ويقول سبحانه :« وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ » (٢٥ : العنكبوت).
والضمير فى قوله تعالى :« خالِدِينَ فِيها » يعود إلى اللعنة، أي هم خالدون فى هذه اللعنة الواقعة عليهم من اللّه والملائكة والناس، لا تزايلهم أبدا..
وقوله تعالى :« وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ » إشارة إلى أن هذه اللعنة واقعة عليهم فى هذه الدنيا، كما هى واقعة عليهم يوم القيامة.. إنهم يلقون جزاء هذا الظلم الغليظ معجلا ومؤجلا معا.
والاستثناء فى قوله تعالى :« إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » هو وارد على هذا الحكم الواقع على أولئك الظلمة وما رماهم اللّه به من لعنة عاجلة فى الدنيا وآجلة فى الآخرة.. بمعنى أن من تاب من هؤلاء الملعونين، ورجع إلى اللّه من قريب، وأصلح ما أفسد من دينه فإن مغفرة اللّه تسعه، ورحمة اللّه تعالى تناله، وترتفع عنه تلك اللعنة التي أحاطت به، وينزل منازل المؤمنين، الذين رضى اللّه عنهم، وتقبّل عنهم أحسن ما عملوا..


الصفحة التالية
Icon