ج ٢، ص : ٥٣١
ومع أن هذا الإطلاق يرفع الحرج عنهم فى أن يطعموا أي طعام يريدون ـ فإنه يحمل فى طياته الوقوف بهم عند مستوى من الإنسانية، دون هذا المستوي الكريم، الذي ندبت له الشريعة الإسلامية أتباعها، فحرمت عليهم ما حرمت من مطاعم، ولم تجعل ذلك إلى أتباعها، يطعمون منها ما شاءوا متى شاءوا، بل حرمت عليهم بعض الأطعمة تحريما قاطعا، وأثمت من ينال منها إلا عند الاضطرار، ودون مجاوزة حد الاضطرار.
لم تحرّم الشريعة على بنى إسرائيل شيئا مما يطعمون إلّا ما حرم إسرائيل ـ وهو يعقوب ـ على نفسه من أطعمة استقذرها، وعافتها نفسه، فجعل ذلك حراما ملزما نفسه إياه! فلما جاء موسى عليه السّلام، إلى بنى إسرائيل، وطلع عليهم بآيات اللّه، وملأ الحياة عليهم بالمعجزات.. ثم لم يكن منهم إلّا العناد، والإغراق فى الضلال، والمكر بآيات اللّه ـ فكان أن أخذهم اللّه بالبأساء والضراء، وضرب عليهم التّيه فى الصحراء، وابتلاهم بتحريم العمل فى يوم السبت، فلم يطيقوا، وعملوا فى هذا اليوم، فرماهم اللّه باللعنة، وجعل منهم القردة والخنازير! ثم ابتلاهم اللّه بما حرّم عليهم من طيبات الطعام، التي ذكرها اللّه سبحانه فى القرآن الكريم، والتي جاءهم بها موسى فى التوراة، وبيّن اللّه فيها أنها نقمة وابتلاء، وبلاء! كما يقول اللّه تعالى :« وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ » (١٤٦ : الأنعام).
ونقرأ الآية الكريمة، التي تحدّث اليهود بما فى التوراة التي فى أيديهم، عن تلك المطاعم التي حرمها اللّه عليهم، نكالا وابتلاء..