ج ٢، ص : ٧١٦
ونقول ـ واللّه أعلم ـ :
إن إفراد الخطاب فى هذه المراحل :« يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.. يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » فيه مواجهة صريحة كاملة، تضع الإنسان وحده فى مواجهة هذا الخطاب الإلهى، فيلتفت إليه بكيانه كله، حيث لا يقع فى شعوره ـ والحال كذلك ـ أن هذا الخطاب العلوي متجه إلى غيره! وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان فى وضع يحسن فيه التلقي عن اللّه، والانتفاع بما تلقى..
وذلك ما يقيمه على طاعة اللّه، ويصل به إلى مرضاته، ثم إلى الجنة التي أعدت للمتقين..
وليس الشأن كذلك إذا دخل الجنة.. إنه هنا فى حال ينعم فيها بنعيم اللّه، ويأنس بألطافه..
ومن تمام نعيم اللّه هنا، ومزيد ألطافه، أن يجد الإنسان نفسه بين لدات وإخوان، يشاركهم هذا النعيم، وتلك الألطاف، وأن ينظر هذا النعيم وتلك الألطاف التي تغمر كيانه، قد تجسدت على وجوه إخوانه، فأصبحت بشرا، وحبورا، فيزداد لذلك بشره وحبوره..
وماذا يأخذ الإنسان أو يعطى، وهو منفرد وحده فى هذه الجنات ؟ إن هذا النعيم الطيب كله فيها، والملائكة والحور الذين يشرقون فيها كما تشرق الشموس ـ إن كل هذا لا يعرف المرء قدره، ولا يتذوق طعومه، على أكمل وجه وأتمه، إلا إذا كان له إخوان من جنسه، يألفهم ويألفونه، ويأخذ معهم ويعطى.. من كؤوس هذا النعيم..
وهذا الشعور الجماعى فى الإنسان قد عرف اللّه سبحانه وتعالى حاجته إليه، فأسعفه بها، وجعلها من بعض ألطافه على عباده فى جناته.. فجعل أهل الجنة فى حياة جماعية، يتلاقون، ويتعارفون ويتبادلون الطيّب من الحديث،