ج ٢، ص : ٧٢٥
جريمة اللواط.. فقد جاء بعد قوله تعالى :« وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما » ـ جاء قوله سبحانه :« فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً » فهذا الأمر بالإعراض عن أهل « اللواط » بعد أن يتوبا ويصلحا، وهذه السبيل التي جعلها اللّه لمرتكبات « السحاق » إن صلح حالهن ورغب الأزواج فيهن ـ هذا وتلك، هما رحمة من رحمة اللّه، ولطف من ألطافه، يصحب المقدور، ويخفف البلاء، ويهوّنه.. « وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ؟ » فسبحانه وسع كل شىء رحمة وعلما، يجرح ويأسو، ويحكم ويعفو.. آمنت به لا إله غيره، ولا ربّ سواه.
ومما يؤيد ما ذهبنا إليه فى فهم هاتين الآيتين، وحملهما على هذا الوجه الذي فهمناهما عليه، ما جاء بعدهما من قوله تعالى :« إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ » فذكر التوبة هنا، وأثرها فى محو السيئات، هو توكيد لقوله تعالى :« فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما » أي إن اللذين يأتيان الفاحشة « اللواط » من الرجال لهما مدخل إلى التوبة التي بها يتطهران من هذا الإثم، أما الزّنا فلا يطهر منه مقترفه إلا بإقامة الحدّ عليه، كما فعل « ماعز » حين ارتكب هذا المنكر، فجاء إلى النبىّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال :« طهّرنى » يا رسول اللّه.. وما زال يقول طهرنى يا رسول اللّه، والرسول الكريم يراجعه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات. فأمر الرسول ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ بإقامة الحدّ عليه، ورجمه، وكذلك كان الأمر مع المرأة الغامدية.
الآيتان :(١٧ ـ ١٨) [سورة النساء (٤) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)