ج ٣، ص : ١٠٣٢
يبدو هذا المقطع من الآية الكريمة، وكأنه غريب عنها، إذ هو معترض بين أولها وآخرها، حيث يقول اللّه تعالى بعد هذا المقطع :« فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » :.
وبالنظر فى وجه الآية الكريمة يبدو التجانس واضحا بين مقاطعها جميعا، بحيث تتلاحم معانيها، كما تتناغم كلماتها، فتؤلف صورة، هى آية من آيات اللّه، ومعجزة من معجزات كتابه الكريم.
ففى قوله تعالى :« الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ.. » الآية.. تذكير للمؤمنين بفضل اللّه عليهم فيما بيّن لهم من أمر دينهم، وفيما شرع لهم من أحكام، هى دستور لحياة كريمة طيبة، ومنهج لتربية أمة أراد اللّه لها الكرامة والعزة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس..
فإذا ذكر المسلمون ذلك، وهم يتلقون أحكام هذا الدستور، ومادّة ذلك المنهج، كان ذك أشرح لصدورهم، وأرضى لنفوسهم، وأدعى إلى تمسكهم بدين اللّه، واستقامتهم على شريعته..
ومن تمام نعمة اللّه على المؤمنين أن يسوق إليهم هذه البشريات، وهو يزودهم بهذا الزاد الطيب من أحكام دينهم، وأصول شريعتهم.. فقد أصبحوا بمأمن من الكفار والمشركين والمنافقين من أن يفسدوا عليهم دينهم، وأن يفتنوهم فيه، إذ بلغ الإسلام غايته، وأخذ مكانه من القلوب، وانضوى إلى رايته من ينصره ويحمى حماه، « الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ »..
هكذا صار موقف الكافرين من الإسلام.. اليأس من أن يقفوا له، أو يصرفوا الناس عن طريقه.. وعلى هذا فليقف المسلمون للكافرين وقفة التحدّى والرّدع إن هم حاولوا أن ينالوا منهم نيلا.. « فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ » وفى قوله تعالى :« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي


الصفحة التالية
Icon