ج ٣، ص : ١٠٣٤
جميعا.. فلما نزلت « براءة » نفى المشركون عن البيت الحرام، وحج المسلمون لا يشاركهم فى البيت الحرام أحد من المشركين، وكان ذلك من تمام النعمة ـ لمّا كان ذلك ـ نزل قوله تعالى :« الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ».
وفى إضافة الدين إلى المسلمين « دينكم » وهو فى الحقيقة دين اللّه ـ إذ يقول سبحانه :« إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ » ـ فى هذا ما يشعر بأن الأمة التي اختارها اللّه تعالى لحمل هذا الدين، وتبليغ رسالته، هى أهل لحمل هذه الأمانة العظيمة، كما أنها مستحقة لتكون فى هذا المقام الكريم التي تقوم فيه مقام الأنبياء والمرسلين فى القيام على دين اللّه..
وقوله تعالى :« فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » هو رفع لهذا الحظر الذي ضربه اللّه سبحانه وتعالى على هذه المحرمات، وذلك فى حال المخمصة والاضطرار..
والمخمصة : هى الجوع المتّصل، الذي قد يؤدى إلى التلف.. فإنّ حفظ النفس من التلف، من الأمور التي جاءت الشرائع السماوية لتقريرها، والوصاة بها.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (١٩٥ : البقرة).
وقوله تعالى :« غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ » أي غير مائل إلى إثم وراغب فيه..
والمراد بالإثم هنا، هو عين هذه المحرمات، لأن أكلها فى غير اضطرار هو إثم، فعبّر عنها القرآن بالإثم تقبيحا لها وتنفيرا منها.
والمعنى : أن من وقع فى مخمصة، أي جوع شديد، وخاف على نفسه أن يهلك جوعا، ولم يكن ثمة سبيل إلى طعام غير هذا الطعام الخبيث، فليأخذ منه بقدر