ج ٣، ص : ١٠٤٤
الصلاة وقد استوفى حقّ الدخول فيها.. ثم إنه ليس يعنى هذا أن يلتزم المتوضئ هذه الصورة فى غسل رجليه.. بل إن له أن يجرى عليهما الماء ما شاء، وأن ينظفهما ما أراد وما استطاع، إذ لا حرج عليه فى هذا، وإنما الحرج فى ألا يدفع عنه هذا الحرج إذا هو غسل رجليه وكأنه يمسحهما، أو مسحهما وكأنه يغسلهما.. ذلك واللّه أعلم.
قوله تعالى :« وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا » هو إشارة إلى ما ينبغى أن يكون عليه المسلم قبل الوضوء، وهو أن يكون على طهارة من الجنابة..
بالاغتسال، أو التيمم فى المرض أو السفر، أو عند فقد الماء.
وفى قوله تعالى « فَاطَّهَّرُوا » إشارة إلى أن المطلوب هو التطهر.. ولم يحدّد اللفظ القرآنى أسلوب التطهر.. أهو بالاغتسال أو بالتيمم.. وذلك لأنه سبحانه قد خفف على عباده، فلم يجعل التطهر بالاغتسال أمرا لازما فى جميع الأحوال.. فالمريض، والمسافر، قد أبيح لهما التطهر من الجنابة بالتيمم، وكذلك الصحيح المقيم إذا فقد الماء.. فإذا تيمم أحدهم طهر من الجنابة، وإذا قام للصلاة وجب أن يتيمم للصلاة، وهو على طهارته بتيمم الطهارة من الجنابة.
فانظر إلى هذا الإعجاز القرآنى فى قوله تعالى :« فَاطَّهَّرُوا » وإلى توافق هذا الأمر الإلهى مع قوله تعالى بعد هذا :« وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ »..
ولو كان اللفظ القرآنى :« فاغتسلوا » بدل قوله تعالى :« فَاطَّهَّرُوا » لوقع تصادم بين هذا اللفظ وبين الحكم الوارد بعده فى هذه الآية، والذي جاء مثله فى سورة النساء فى قوله تعالى :