ج ٣، ص : ١٠٥٧
أتباعه من اليهود. فقد أشاع اليهود من أتباع المسيح أنهم هم الذين وجّهوا دعوته تلك الوجهة فأخرجوها على هذه الصورة التي لبس المسيح فيها ثوب الألوهية، وقام فيها مقام اللّه.. ولعلنا نذكر هنا دور « بولس الرسول » وهو يهودى، ومن أتباع المسيح، وحامل لواء التبشير بالمسيحية خارج دائرة اليهود. فقد كان هو الذي أباح ما حرمته الشريعة من حلّ لحم الخنزير، والتحلل من الختان، بل وحرمته، دون أن يلتفت إلى أن المسيح نفسه قد ختن، حسب الناموس! وثمرة هذا النسيان المتعمد هى هذا الخلاف الشديد بين أتباع المسيح..
ذلك الخلاف الذي لا تزيده الأيام إلا عمقا واتساعا، إذ أباح هذا التأويل الفاسد حرمة الأناجيل، وجعل لكل ذى نظر أن يتأول ما يشاء، ويقول ما يريد، بعد أن أهدرت معانى الكلمات المقيدة بألفاظها، وأصبحت الألفاظ رموزا وإشارات، وأحلاما وأضغاث أحلام، يتأولها كل حسب رأيه واجتهاده، غير مقيد بقيد، ولا محتكم إلى لغة.
وهذه العداوة ليست عداوة ترجع إلى اجتهاد فى فهم النصّ، بقدر ما هى عداوة ترجع إلى تضارب الأهواء، واختلاف المنازع، ومن هنا لم تكن مجرد عداوة بين علم وجهل، بل كانت عداوة محملة بشحنات ثقيلة من البغض والكراهية، لأنها عداوة بين هوى وهوى ومشرب ومشرب! ثم إن هذه العداوة المحملة بأثقال البغضاء ليست عداوة موقوتة بوقت، ولا محدودة بزمن.. وإنما هى عداوة موصولة، متجددة، لا تنقطع أبدا :
« إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ».
قوله تعالى : وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ » أي سيعلمون يوم القيامة فساد هذا الذي صنعوه، وغيرّوا به وجه رسالة المسيح ودعوته..
وفى لفظ « يصنعون » دلالة على أن أسلوبهم هذا الذي جروا عليه مع