ج ٣، ص : ١١١٦
فهؤلاء الذين يوادّون غير المؤمنين، ويلقون بأنفسهم فى أهل الكتاب، ويوثقّون صلاتهم بهم، إنما يفعلون هذا ليكون لهم منه شفيع عند أهل الكتاب، إذا كان لهم الغلب يوما على المؤمنين، فلا يصيبهم من الدائرة ـ وهى الهزيمة وما يلحق أصحابها من أذى ـ ما يصيب المؤمنين، إذا هم أصابتهم الدائرة التي يتوقعها المنافقون لهم.
وقوله تعالى :« فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ » هو وعيد للمنافقين بما يملأ قلوبهم حسرة وندما، إذ جاء تدبيرهم وبالا عليهم وخسرانا لهم، حين قدّروا أن الدائرة ستدور على المؤمنين، فأخلوا مكانهم من بينهم، واتخذوا أهل الكتاب أولياءهم ـ ثم هو وعد كريم من اللّه، يجىء بتلك البشريات المسعدة للمؤمنين، وبأنهم هم المنتصرون، وأن الخزي والخذلان لأعدائهم، ولمن انضوى إليهم من منافقين.. « فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ » الذي يمكّن للمؤمنين من أعدائهم، وقد جاء نصر اللّه والفتح، ودخل الناس فى دين اللّه أفواجا فدالت دولة الشرك، وذهبت ريح النفاق والمنافقين.
وقوله تعالى :« أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ » أي تدبير من عند اللّه، يجىء على غير انتظار، وعلى غير عمل من المؤمنين، كأن يوقع الشقاق والخلاف بين أحلاف السوء ومجتمع الضلال، فيفضح بعضهم بعضا، ويخذل بعضهم بعضا، فإذا أولياء الأمس أعداء اليوم، يبرأ بعضهم من بعض.
وحمل هذا الوعد الكريم من اللّه للمؤمنين على يدى فعل الرجاء « عسى » إنما ليقيم المسلمين على رجاء وأمل فى رحمة اللّه بهم، وفضله عليهم، فتظل قلوبهم شاخصة إلى اللّه، ذاكرة له، ترقب غيوث رحمته، وفواضل نعمه..
ولو جاء هذا الوعد الكريم قاطعا منجزا لما بعث فى القلوب المؤمنة تلك