ج ٤، ص : ١٢٤
بل إن « الجعل » يضاف إلى الإنسان، ويحسب له، أو عليه، كما يقول سبحانه وتعالى :« وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً » (١٩ الزخرف) ويقول سبحانه :« أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » (١٩ : التوبة) ويقول :« وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ » (النحل ٥٧).
وننظر فى قوله تعالى :« خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ » فنجد أن السموات والأرض، قد خلقنا بيد القدرة القادرة، فكان فعل الخلق « خلق » مطلوبا لتحقيق هذا المعنى المراد هنا..
ونجد أن الظلمات والنور، وإن كانا مخلوقين للّه، إلا أن الخلق غير مراد هنا، وإنما المراد وظيفة هذين المخلوقين، وأنهما الثّوبان اللذان يلبسان المخلوقات، أو يلبسان الكوكب الأرضى الذي نعيش عليه، ونشهد آثارهما فيه.
وثالثا : جمع الظلمات، وإفراد النور.
ماذا وراء الجمع هناك والإفراد هنا ؟
إن الظلام كثيف ثقيل، والنور شفيف رقيق.. هكذا موقعهما على العين.. الظلام كأنه ظلمات بعضها فوق بعض.. إذا أقبل عليها النور أزاحها طبقة طبقة..
هذا فى واقع الحسّ..
ومن جهة أخرى، فإن الظلام وحشة وعمى وضلال، ومن هنا تتشعب طرقه، وتتعدد مسالك الهائمين فيه.. أما النور فهو أمن وهدى وحق.. وجه