ج ٤، ص : ١٣٥
ولكن اللّه سبحانه وتعالى، لم يستجب لمقترحهم هذا، تكريما للنبىّ الكريم، وتحقيقا لوعده الذي وعده فى قوله :« وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » (٣٣ : الأنفال).
وقوله تعالى :« وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » أي لو جعلنا الرسول المرسل إليهم ملكا ـ كما يقترحون ـ لجعلناه فى أعينهم رجلا، أي لأنكروا وجود الملك بينهم، وتعذّر عليهم الحياة معه.. إنهم والملك طبيعتان مختلفتان، لا يقع الانسجام والاطمئنان بينهما، وإلى هذا أشار اللّه سبحانه وتعالى بقوله :« قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا » (٩٥ : الإسراء).
فقوله تعالى :« وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا » يشير إلى اختلاف الطبيعة البشرية والطبيعة الملكية، وأنه سبحانه وتعالى لو أراد أن يبعث إلى البشر ملكا رسولا إليهم لاقتضت حكمته أن يلبس هذا الملك صورة البشر، حتى يسكن إليه الناس، ويكون بينه وبينهم لقاء وإلف.. فالجنس لا يألف غير جنسه، ولا يسكن إلا إليه.
وقوله تعالى :« وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » أي ولو جاءهم الملك فى صورة إنسان، لما ارتفع هذا اللّبس، وهذا الشك والوسواس، ولبقى حالهم مع الملك فى صورة إنسان، هو حالهم مع الإنسان، يحمل رسالة من اللّه رب العالمين.
فالقضية بالنسبة لهؤلاء المعاندين، هى هكذا..
يطلبون أن يكون رسول اللّه إليهم ملكا من ملائكة الرحمن.
والملك غير ممكن أن يلقوه على صورته.. بل لا بد أن يكون على صورة إنسان..