ج ٤، ص : ١٣٨
ومعنى كتب على نفسه الرحمة، أي أوجبها سبحانه وتعالى على نفسه، حيث اقتضتها حكمته، واستدعاها فضله..
فالملك الذي بين يدى المالك سبحانه وتعالى، هو من آثار رحمة اللّه.. تلك الرحمة العامة الشاملة التي تمسّ كل مخلوق، وتنال البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر.. ولو لا هذه الرحمة لما تنفس الكافر نفسا فى هذه الحياة، ولما أمهل فى محادّته للّه، وعدوانه على رسله، ولكن رحمة اللّه التي وسعت كل شىء، لم يحرم الكافر نصيبه منها، فأفسح اللّه له فى الحياة، ليرجع إليه، ويصلح من أمره ما أفسده.
فإذا مضى الكافر على كفره، ثم أخذ بذنبه، كان من رحمة اللّه أن يؤدب وأن يعاقب، ففى هذا العقاب إصلاح لنفسه التي فسدت، وصقل لمعدنه الذي أكله الصدأ! وقوله تعالى :« لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ » فى توكيد الفعل « ليجمعنكم » بالقسم وبنون التوكيد، إشارة إلى أن البعث أمر كتبه اللّه سبحانه وتعالى على نفسه، كما كتب الرحمة، وأن البعث هو رحمة من رحمة اللّه، إذ هو إعادة الحياة التي ذهب بها الموت، والحياة نعمة من نعم اللّه، ورحمة من رحمته.. إنها نعمة تستوجب الشكر، والحمد للّه رب العالمين :« كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » (٢٨ : البقرة).
وفى تعدية الفعل « ليجمعنكم » بحرف الجرّ « إلى » إشارة إلى أن الجمع هو استدعاء من جهات شتى، ودعوة قاهرة إلى مكان معلوم، تصبّ فيه وفود المدعوين، وتجتمع إليه.. فمعنى الجمع، هو السّوق، أي ليسوقنكم إلى يوم القيامة، إذ كان يوم القيامة هو موعد اللقاء الذي يلتقى عنده الموتى، المبعوثون