ج ٤، ص : ١٤٤
نعم اللّه طريقا يصلهم إلى اللّه، ويقرّبهم منه، ويقيمهم على الشكر والحمد، واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١٣ : سبأ) أما فى البلاء، وأما فى الشدة، فإن الناس جميعا، مؤمنهم وكافرهم، يذكرون اللّه، ويهتفون به، حتى فرعون، فإنه حين أدركه الغرق، قال آمنت!..
وهكذا الناس.. تدنيهم الشدائد من اللّه، وتقربهم منه.. وإنها لنعمة تلك الشدائد، التي توجّه الإنسان إلى اللّه، لو أنه استقام على طريقه إلى اللّه، ولم يكن من الخائنين لنفسه، الذين يمكرون بآيات اللّه..
قوله تعالى :« وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ » أي أنه ذو السلطان القائم فوق عباده، يملكهم ولا يملكونه، ويقضى عليهم ولا يقضون عليه، ويعطى ويمنع، ويعزّ ويذل :« قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (٢٦ : آل عمران).
وليس سلطان اللّه سبحانه، القائم فوق عباده، الآخذ على جوارحهم ومشاعرهم ومدركاتهم ـ ليس بالسلطان المستبدّ الجهول، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.. وإنما هو سلطان قائم بالعدل، والحكمة، والعلم والقدرة، وما كان كذلك، فهو سلطان الرحمة والإحسان..
وفى قوله تعالى :« وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » إشارة إلى هذا السلطان القاهر الغالب، وأنه بيد حكيم خبير، يضع كل شىء موضعه، بحكمة الحكيم، وخبرة الخبير، فيأخذ مكانه الذي هو له، فى أحسن وضع، وأكمل صورة، فى ملك اللّه :« الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ.. الْبَصَرَ.. هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ؟ » (٣ : الملك).