ج ٤، ص : ١٩٣
هو والناس عند اللّه فى ميزان العمل على سواء.. كلّ مجزىّ بعمله، من إحسان أو إساءة..
فهؤلاء الفقراء المستضعفون الذين يدعون ربهم بالغداة والعشىّ، يرجون رحمته، ويخشون عذابه ـ إنما يعملون لأنفسهم، كلّ يطلب لها السلامة والنجاة، فكيف يطردهم النبىّ ـ كما تتوهم قريش ـ من هذا الميدان الذي اختاروا العمل فيه، طالبين النجاة من عذاب اللّه، والفوز برضوانه ؟ إن النبىّ لا يحمل عنهم ما يكون منهم من تقصير فى جانب اللّه، إذا هم طردوا من هذا المورد العذب الذي يتزودون منه فى طريقهم إلى اللّه.. فكيف يطردهم ؟ أيحمل عنهم وزرهم يوم القيامة ؟ إنهم محاسبون على أعمالهم، وإنهم لمجزيّون عنها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » أي إن النبىّ لن يضارّ بما يحملون من سيئات، إذ أن كلّ نفس تحمل ما كسبت.. واللّه سبحانه يقول :« وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى » (١٨ : فاطر).. « وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ » أي إنك لن تحمّلهم شيئا من حسابك.. وإذن، فدع هؤلاء يعملون لأنفسهم، كما تعمل أنت لنفسك، وإنه لمن الظلم أن يرفع أحد يدهم عن العمل الذي يريدون به وجه اللّه، وحسن المآب إليه.. ولهذا جاء قوله تعالى :« فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ » ـ حكما قاطعا بالظلم على من يتصدّى لمن يؤمن باللّه، ويشغل قلبه ولسانه وجوارحه بذكره.
ولا شك أن المشركين من زعماء قريش إذ يرون هذا الحساب الذي بين النبىّ ـ صاحب الرسالة ـ وبين أضعف الناس شأنا، وأنزلهم منزلة فى نظرهم ـ إنهم إذ يرون هذا الحساب، يجدون أنه قائم على العدل والإحسان، وأن الناس عند اللّه ـ حتى الأنبياء ـ بأعمالهم، وليس بمالهم من رياسات دينية


الصفحة التالية
Icon