ج ٤، ص : ٣٦٨
شرّا، حيث لفّها الليل فى سكونه، واشتمل عليها النعاس بسلطانه، أو حيث هجعت فى قيلولة، وفاءت إلى ظلّ ظليل.. فالضربة هنا ضربة مفاجئة لا تدع لأحد سبيلا إلى استجماع نفسه، أو لمّ شمله، أو إلقاء نظرة إلى ماله وأهله وولده..
« وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ».
وقوله تعالى :« فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » إشارة إلى أن الكلمة التي استقبل بها القوم هذا البلاء، لم تكن إلا إدانة لأنفسهم، وحجة يقيمها بعضهم على بعض، بأن ما حلّ بهم لم يكن إلا بما ساقهم إليه سفهاؤهم من كفر باللّه، وصدّ عن سبيله..
والدعوى هنا بمعنى الدّعاء، الذي يدعو به بعضهم بعضا.. فيقول كل منهم : هذه فعلة فلان وفلان بنا!! وإذا كانت دعوى أهل السلامة والعافية فى الجنة هى الحمد للّه رب العالمين، كما يقول اللّه تعالى :« وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ـ فإن دعوى أهل العطب والضياع.. « يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ».
. ولكن هيهات.. فلن يقبل منهم عذر، ولا يسمع لهم قول :
« فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ».
قوله تعالى :« فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ».
. فها هو ذا يوم القيامة، وها هم أولاء الناس جميعا فى موقف الحساب والجزاء.. يسألون : ما ذا كان منهم فى دنياهم التي خلفوها وراءهم ؟ وما ذا كان موقفم من رسل اللّه ؟.. وهاهم أولاء رسل اللّه يسألون :« ما ذا أجبتم ؟ » وما ذا لقيتم من أقوامكم ؟ ومن الذي آمن بكم وآزركم ومن صدّ عنكم وتصدّى لكم ؟.. وتخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، وتنشر صحف العباد، ويرى كل إنسان ما عمل من خير أو شرّ، « فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ » فما سئل الناس، وما استشهد الرسل