ج ٥، ص : ٥٥٨
كانت تضمها المدينة.. وهكذا توزعت مشاعر المسلمين وعواطفهم، فى مواجهة هذا الطارق الغريب، الذي أطلّ عليهم بوجهه، لأول مرة..
ولو ترك هذا الموقف للمسلمين يقضون فيه برأيهم، ويلتقون فيه على رأى، لما كان فى هذا ما يحسم الموقف، ويجمع هذا العواطف المشتتة، وتلك النوازع المختلفة.. فإن أي رأى يلتقى عنده المسلمون، لم يرض نفرا منهم أيّا كان عدده..
وتلك لا شك ثلمة فى بناء الجماعة التي لا تزال على أول الطريق، فى استكمال كيانها، ودعم بنائها، بل هو صدع فى هذا البناء، تزيده الأيام عمقا واتساعا، إن لم يكن فى الحساب توقّيه قبل أن يقع.. حتى يحفظ هذا الجسد سليما معافى من أيّة آفة، تندس إليه، وتنفث سمومها فيه.
ولهذا جاءت كلمة الفصل من السماء، حتى لا يكون لقائل قول، ولو كان الرسول الكريم نفسه، والذي لو قال كلمة هنا لتلقاها المسلمون بالقبول والرضا، ولسكن عندها كل خاطر، ولماتت بعدها كل نازعة أو وسواس، لما للرسول فى نفوس المسلمين من حب وطاعة، وولاء.. إذ كانوا على يقين، بأنه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ لا يقضى إلا بالحق، ولا يقول إلا بما أراه اللّه :
« وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ».
ومع هذا، فإن حكمة الحكيم العليم اقتضت أن تكون كلمة اللّه هى القضاء الفصل فيما اختلف فيه المسلمون، حتى يعودوا من هذه المعركة، وقد خلت نفوسهم من أي همّ من هموم الدنيا، وحتى يكونوا جندا خالصا لدين اللّه، لا يجاهدون إلا فى سبيل اللّه، وفى إعلاء كلمة اللّه، دون التفات إلى شىء من هذه الدنيا، وما يقع لأيديهم من مغانم الحرب.. فتلك المغانم ـ وإن كثرت ـ لا حساب لها فى هذا الوجه الكريم الذي يتجه إليه المجاهدون فى سبيل اللّه..
ومن أجل هذا، كان حكم اللّه قاضيا على المجاهدين بألّا شأن لهم بهذه الغنائم،


الصفحة التالية
Icon