ج ٥، ص : ٥٦٧
وهكذا يصنع اللّه للإسلام، فيقيم وجه أنصاره على أمره وحده، لا يلتفتون معه إلى شىء آخر غيره.. فمن كان على نيّة الإيمان باللّه والجهاد فى سبيله، فهذه هى سبيله : أن يصرف وجهه عن الدنيا، وأن يوطّن نفسه على الجهاد خالصا للّه، لا يبغى به إلّا وجه اللّه، ولا يطلب إلا مثوبته ورضوانه..
ففى قوله تعالى :« كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ » إلفات للمسلمين الذين كسبوا المعركة، وحازوا ما كان مع قريش من سلاح، ومتاع ثم صرفهم اللّه عن هذا السلاح والمتاع ـ إلفات لهم إلى تلك الحال التي كانوا عليها، بعد أن صرف اللّه عنهم العير، وجعلهم وجها لوجه مع العدوّ فى ميدان القتال..
فهذه من تلك، سواء بسواء..
والبيت الذي خرج منه النبىّ هنا، هو المدينة.. فهى بيته ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ الذي يأوى إليه، ويقرّ فيه.
وخروجه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ بالحق، أي للحقّ، ومن أجل الدفاع عن قضيّة الحق.. وليست قضية الحق هى هذا المتاع الذي كانت تحمله العير، ولا هذه الأنفال التي خلصت لأيدى المسلمين، وإنما قضية الحق هى إعلاء كلمة اللّه، وإزاحة العقبات التي تقف فى وجه الدعوة إلى اللّه، بمحاربة أولئك الذين يحاربون اللّه، ويصدّون الناس عن سبيله.
والحقّ دائما ثقيل الوطأة على الناس، إلّا من رزقهم اللّه الإيمان الوثيق، والعزم القوىّ، وأمدّهم بأمداد لا تنفد من الصبر على المكاره، والقدرة على احتمال الشدائد.. إذ الحق ـ فى حقيقته ـ مغالبة لأهواء النفس، وتصدّ لنزعاتها، وإيثار للآخرة على الدنيا، وذلك من شأنه أن يجعل الإنسان فى حرب متصلة مع نفسه، حتى إذا أقامها على الحق، وأسلم زمامها له، كان عليه