ج ٥، ص : ٥٧٥
يجىء منه، فلم يكن ثمّة داع يدعو إلى تقديمه فى النظم، ليفصل بين الفعل وفاعله، فجاء النظم على الأسلوب المألوف.
وفى آية بدر جاء قوله تعالى :« وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » وجاءت آية أحد :« وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » حيث جاء الخبر مؤكدا، فى آية بدر، على حين جاء مطلقا من غير توكيد فى آية أحد.. وذلك أن المسلمين فى بدر كانوا يواجهون أول وعد للّه سبحانه لهم بالنّصر، فحسن أن يؤكد لهم هذا الوعد.. أما فى أحد فقد كانوا على يقين ثابت بوعد اللّه، الذي رأوا عزّته، وحكمته، رأى العين، فيما تحقق لهم من نصر يوم بدر..
وقوله تعالى :« إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ».
الظرف « إذ » هنا متعلق بقوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » أي من مظاهر عزّة اللّه وحكمته فى هذا اليوم أن أرسل عليكم النّعاس، فغشيكم، وطرق عيونكم، ولبس أجسادكم، فكان ذلك من بواعث الأمن والطمأنينة لكم..
إذ لا يطوف النوم إلا حيث تكون السكينة، ويكون الاطمئنان.
والأمنة : بمعنى الأمن، ولكنها قطعة من الأمن، وليست كلّ الأمن والضمير فى « منه » يعود إلى اللّه سبحانه وتعالى.
وفى الحديث عن النعاس الذي غشّى المؤمنين يومئذ بأنه كان نعاسا، ولم يكن نوما، أو استغراقا فى النوم ـ إشارة إلى واقع الحال الذي كان يشتمل جوّ المعركة، من اضطراب النفوس، وجزع القلوب، وحيرة العقول، وأن من نعم اللّه الجليلة فى هذه الحال أن يطوف بالإنسان طائف من الأمن، بحيث يطرقه