ج ٥، ص : ٥٩٠
عليهم تلك المنكرات، ولهذا عمّ اللّه بنى إسرائيل جميعا باللعنة، لأنهم لم ينصحوا الظلمة فيهم، ولم ينكروا ظلمهم، وفى هذا يقول اللّه تعالى :« لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ » (٧٨ ـ ٧٩ : المائدة).
وهنا سؤال :
كيف يؤخذ المحسنون بظلم الظالمين، واللّه سبحانه وتعالى يقول :
« وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ؟ » (١٨ : فاطر) ويقول سبحانه :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ؟ » (١٠٥ : المائدة).. ويقول فى هذه الآية :« وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ».
. فكيف يكون مع المتقين ثم يأخذهم بما أخذ به الظالمين ؟.
والجواب ـ واللّه أعلم ـ :
أولا : أن سكوت غير الظالمين عن الظالمين هو وزر، له عقابه، فهم وإن لم يظلموا أحدا، فقد ظلموا أنفسهم بحجزها عن هذا المنطلق الذي تنطلق منه إلى رضوان اللّه، وإلى حماية أنفسهم وحماية المجتمع الذي هم فيه مما يشيعه الظالمون من فساد وضلال، وشر مستطير.
وثانيا : أن قوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ » هو حماية للمؤمنين من أن يجرفهم تيار المفسدين، وأن يسلموا زمامهم لهم، ويسلكوا معهم الطريق الذين سلكوه حين يستشرى الفساد ويغلب المفسدون.. فهنا يكون واجب المؤمن حيال نفسه أن يحميها أولا من هذا الوباء، وأن يمسك عليه دينه حتى لا يفلت منه فى زحمة هذا الفساد الزاحف بخيله ورجله..