ج ٥، ص : ٥٩٣
التفسير : نبّه اللّه المؤمنين فى الآية السابقة، ولفتهم إلى ما كانوا فيه من قلّة وذلّة، وما أصبحوا فيه من كثرة ومنعة وعزّة.. وذلك ليذكروا فضل اللّه عليهم، وليجعلوا ولاءهم خالصا له..
وفى قوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » دعوة للمؤمنين إلى القيام بأمر اللّه، والتزام طاعته وطاعة رسوله، والوقوف عند الحدود التي بينها اللّه تعالى، فيما أنزل على رسوله من آياته وكلماته..
فالخروج على أمر اللّه، والخلاف لرسوله، هو خيانة للّه ولرسوله، بعد أن علموا، وتثبتوا مما أمرهم اللّه به، أو نهاهم عنه.. ثم هو خيانة للمرء نفسه، إذ نقض العهد، وخان الأمانة التي ائتمنه اللّه عليها..
وهذا مقابل لقوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ».
ففى هذه الآية دعوة إلى طاعة اللّه ورسوله، والاستجابة لما يدعوهم الرسول إليه، ويندبهم له، متى بلغت أسماعهم دعوته.. فالموقف هنا هو فيما بين المؤمنين والنبىّ، حال حياته منهم..
أما ما فى قوله تعالى :« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » فهو امتثال لأوامر اللّه، وما بيّنه الرسول الكريم للمؤمنين فى أقواله وأفعاله من أمورهم، وذلك فيما بينهم وبين أنفسهم، حيث لا يكون الرسول معهم، أو يكون الرسول قد أخلى مكانه من هذه الدنيا..
وحينئذ تكون أوامر الشريعة، وأحكامها أمانة أؤتمن الإنسان عليها، فإذا ضيع تلك الأمانة بخروجه على أحكام الشريعة، والعدوان على حدودها، فقد