ج ٥، ص : ٦٠٩
فِي جَهَنَّمَ »
إشارة إلى أن مجتمع الكفر والضلال، مجتمع فاسد ليس لإنسان فيه ذاتية، يتميز فيها إنسان عن إنسان، بعقله، ومدركاته، ومشاعره، كما يتميز عقلاء الناس، كلّ بإدراكه وإحساسه وشعوره.. فهم أشبه بقطيع من الحيوان، ليس لأحدها فى حقيقته ما يميزه عن غيره، إلا باللون أو الحجم، أما ما وراء ذلك فهى جميعها سواء فيه.. ومن هنا كان التعبير القرآنى :
« وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ » أي يخلط بعضه ببعض خلطا لا حساب فيه لشىء، ولا تقديم لشىء على شىء، وإنما حكمها جميعا حكم حزمة الحطب يحتويها حبل واحد.. ثم كان التعبير القرآن « فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ » أي أن غاية هذا الجمع لتلك الجماعات الضالة هو إعدادها للوقود، وإلقاؤها فى جهنم.
هكذا يفعل بالحطب حين يجمع، وحين يقدّم للوقود! وهكذا الخبيث من الأشياء، والنفاية من كل شىء، يلقى به.. بلا حساب ولا تقدير!.
وقوله تعالى :« قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ » هو تهديد، ووعيد لهؤلاء المشركين الذين أخزاهم اللّه يوم بدر.. فإن يكن فيما حدث لهم يوم بدر موعظة وعبرة، فيؤمنوا باللّه، ويصدّقوا برسوله، ويصحبوا مؤمنين مع المؤمنين ـ إن يفعلوا ذلك قبلهم اللّه، وغفر لهم ما كان منهم من منكرات وآثام، وإن يعودوا إلى ما هم فيه من كفر وعناد، ومحادّة للّه ورسوله، فقد عرفوا ما سيحل بهم من عذاب اللّه لهم.. فتلك هى سنة اللّه فى خلقه، وذلك هو حكمه على الظالمين الآثمين : الخزي والخذلان فى الدنيا، والعذاب والنكال فى الآخرة.. ولقد فتح اللّه باب التوبة والقبول لمن كان له مع نفسه مراجعة، وله إلى اللّه عودة.. فماذا ينتظر هؤلاء المشركون الذين ركبوا رؤوسهم، وأوشكوا أن يصبحوا فى الهالكين ؟.